روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | سر حياة القلوب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > سر حياة القلوب


  سر حياة القلوب
     عدد مرات المشاهدة: 8169        عدد مرات الإرسال: 2

نحن في رحلة إلى الله عزَّ وجل، لا تُقطع بالسيارة ولا بالطائرة، وإنما تُقطع بالقلب، ومن هنا وجَبَ الاهتمامُ به وصيانتُه ورعايتُه ومدُّهُ بالغذاء الذي أنزله الله له.

القلبُ هو اللطيفة الربانية، وهي سرُّ الله في الإنسان، وعليها مدار التكريم، فالإنسان نفخةٌ من روح وقبضةٌ من تراب.. قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29]، وجاء في معظم ألفاظ القرآن ما يشير إلى أن القلبُ بمثابةِ البطاريةِ التي منها يستمدُّ محرِّكُ السيارة الطاقةَ والقدرةَ على الحركة.

يقول واحد من الذين لا يؤمنون إلا بالمادة، ولا يصدقون إلا بالمحسوس: دخلنا غرفة التشريح، حيث الجسد الآدمي ممددًا على السرير، وأخذ أستاذ التشريح يشرح لنا كيفيةَ إتصال كل عضو بالآخر، وأخذ الطلاب يتابعون الأستاذ.. أما أنا فكنت أبحث عن شيءٍ آخرَ وهو الروح أين الروح؟! أهي في الدماغ؟! فلم أجد إلا مادةً هلاميةً.. أهي في القلب؟! لم أجد إلا عضلةً من العضلات.. أهي في الدم؟! تلك بقايا الدم ليس فيها من الروح شيء!

ونقول لهذا المادِّي: مثلُك كمثل من جاء إلى بطاريةٍ مشحونةٍ بالكهرباء، فأخذ يكسرها كي يجد الكهرباء!! وعندما لم يجد شيئًا أخذ يجمع ما كسرَه، ويقول أنا لا أؤمن إلا بما رأته عيني، وما لمسته يدي، ولم أعثر على الكهرباء.. لم أجد سوى هذه الأجزاء المعدنية، وقد يسمعه البعض ممن يفهمون شيئًا عن الكهرباء فيقولون له: لقد أخطأتَ في الحكمِ، فطبيعة الكهرباء أنها لا تُرى، لكنَّ آثارَها ظاهرةٌ واضحةٌ، وقد يسمع هذا الحوار مؤمنٌ بالله فيردّ عليهما قائلاً: وهكذا الروح طبيعتُها أن تُحَسَّ آثارُها، ولا يُعرف كُنْهُها.

وهذا ما قرره القرآن حين سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح، ما هي؟ فكان الرد الحاسم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]، وهذا هو المنهج الأقوم أن يُجاب الناس عمَّا هم في حاجة إليه من غير تبديد لطاقتهم في بحث عن المجهول، الذي إختصَّ اللهُ بعلمه، فهي من أمر الله دون سواه.. يقول صاحب الظلال ج 15: {ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع، ولكنه وقف حصيرًا أمام ذلك السرِّ اللطيف -الروح- لا يدري ما هو، ولا كيف جاء، ولا كيف يذهب، ولا أين كان.. إلا ما يخبر به العليم الخبير في التنزيل.

وليس المراد من القلب هذه القطعة التي تخفق في صدرك، وتتجمع فيها الشهوات والمطامع، وليس هو القلب الذي لم يذُق طعمَ الطاعة ولم يعرِف معنى اليقين، ولا يملك شيئًا من الشوق إلى عظائم الأمور، ومكارم الأخلاق.. إن القلب بهذه الصورة ضيِّقٌ مظلمٌ، لا يُشرق فيه نور ولا ينشَرِحُ لحق، ولا يتَّسع لإيمان.. أما القلب الذي يريدُه الإسلام فهو الذي قال الله فيه: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} [الأنعام:125].

إن عبادة الدينار والدرهم، والإنصراف عن هدى الله ومنهجه والجري وراء الشبهات هي الحجاب بينك وبين ربك، ولا سبيل لنا إلى مرضاة الله إلا بالقلب الحي الفيَّاض الموصول بالله عز وجل، فهو الراحلة والمطيَّة الوحيدة في هذه الرحلة، وقد طغَت جوانبُ من المادة في عصرنا وتخطَّت كلَّ الحدود وتضخَّمت على حسابِ القلبِ، وبقدرِ ما استنارت العقول ونالت من شتَّى الثقافات والعلوم بقدرِ هذا بردت القلوب وتجمَّدت وفقدت عاطفتها الإيمانية وحرارتها إلا من رحِم الله.

لقد أصبحت المَعِدةُ محطةً ضخمةً تتجمَّع عندها كل الإهتمامات، وصارت غاية الغايات عند الكثير من الناس، كل الآمال أن يتمتَّع الناس بالدنيا من أي طريق، وأن يحوزوها بأي أسلوب.. أما حديث القلوب والأرواح -وما لهذا الجانب من مكانة في حياة الإنسان- فلا مجال له عندهم، لقد نسوا تمامًا ما وجَّههم إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» متفق عليه.

وفي الحقيقة إن القلب هو الروضة الدائمة، والربيع المقيم، والنهر العذب.. القلب بلدٌ عامرٌ وحصنٌ محكمٌ، وعجيبٌ أمر هذا القلب الذي أودعه الله صدر بني الإنسان يَصلح فتَصلح الدنيا معه، ويفسد فيفسد العالم على أثره، ويتسع فيسع الدنيا وما فيها، ويضيق فكأنما يصَّعَّد صاحبُه في السماء، ويزكو فلا يرى صاحبه في الوجود إلا الخير والنور، وصدق الله العظيم: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، وحين يتعطل القلب عن أداء دورِه يضيع كل شيءٍ.. قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

نَقدِم على الحقِّ تبارك وتعالى يوم القيامة وكلنا يطمع في عفوه وفضله وكرمه، ولن يفوز بالجائزة إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.. إن معرفة الله إذا لامسَت قلبَ إنسان تحرَّك وتحوَّل.. قال الله تعالى في هذا النوع الكريم من البشر: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

ولقد فسرت أم الدرداء رضي الله عنها الوجل حين سُئلت عنه فقالت: الوجَل في القلب كإحتراق السعفة.. أما تجد لها قشعريرةً؟، قال: بلى.. قالت: إذا وجدت ذلك فادعُ الله عند ذلك، فإن الدعاء يُذهب ذلك.

إنها الإرتعاشة الوجدانية التي تنتاب قلب المؤمن حين يذكَّر بالله في أمرٍ أو نهيٍ فيغشاه جلالُ الله، وتنتفض فيه مخافته، ويتمثل عظمته ومهابته إلى جانب تقصيره هو وذنبه، فيسرع إلى العمل والطاعة، وصدق الله العظيم حيث قال: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج} [الحج:5]، ويقول جل شأنه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}  [فصلت:39].

وإذا تحول القلب وتحرك تحول الفرد وإستقام، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة وتحولت الأمة وما الأمة إلا مجموعةُ الأفراد والأُسَر.. فالمفتاح في التغيير يبدأ من نقطة الارتكاز.. {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، وقد جاء في الأثر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه يومًا: «أترى كثرةَ المال هي الغنى؟!» قلت: نعم يا رسول الله، قال: «فترى قلة المال هي الفقر؟» قلت: نعم يا رسول الله، قال: «إنما الغِنى غِنَى القلب، والفقر فقر القلب».

ويقول صلى الله عليه وسلم:«القلوب أربعة: قلبٌ أجرد، فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن، وقلب أسوَد منكوس فذلك قلب الكافر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، فذلك قلب المنافق، وقلبٌ مصفح فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القبح والصديد، فأيُّ المادتين غلبت عليه حُكِم له بها» رواه أحمد في مسنده.

إذا تبين لنا أهمية القلب وقيمته في الحياة، فقد وجب علينا أن نمده دائمًا بالغذاء.. من صلاةٍ وصيامٍ وقيامٍ وطاعةٍ وذكرٍ لله عز وجل حتى يمضيَ إلى غايته المرسومة على هُدىً وبصيرة وصراطٍ مستقيمٍ، كما يجب علينا أن نحافظ عليه من المؤثرات التي تحول بينه وبين دوره، فإن القلب إذا حُجب عن خالِقه يعمى عن إدراك الحق، ولا بدَّ -لإنتظامِ القلبِ في سيرِه إلى الله- من معالجة جموح الغرائز الدنيا، فعلى المسلم أن يدرك هذا، وعليه أن يبذل غاية جهده لصيانة قلبه: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

الكاتب: محمد عبدالله الخطيب.

المصدر: موقع المنتدي الإسلامي العالمي للإسرة والمرأة.